قِصَّةُ شَجَرَةٍ لَا تَمُوت…
على مقربةٍ من قلعة الربض(عجلون) الشامخة، تقف شجرة زيتون روميٍّ معمَّرة، تشهد بجذوعها المتشققة وأغصانها المباركة على تاريخٍ يمتد لألفَي عام. ليست مجرد شجرة… بل ذاكرة حية لحضارة مرَّت من هنا، وباركت الأرض والإنسان، وتركت في كل غصنٍ منها سرًّا من أسرار الخلود.
هذه الشجرة التي اختبرت الفصول، وواجهت الرياح والصقيع والحروب، ما تزال واقفة، كأنها تُصلي. جذورها العميقة تلتف في قلب التراب الأردني، وتنهل من خيرات الأرض ما يجعلها تعطي دون أن تتعب، وتثمر دون أن تتوقف. من زيتِها تغذّى الكثيرون، ومن ظلّها استراح العابرون، ومن منظرها استلهم الناس معنى الثبات والصبر.
هي شجرة انتسبت إلى حضارة رومانية عريقة مرّت من هذه التلال، لكنها أصبحت اليوم رمزًا لكل إنسان عرف قيمة الأرض وكرامة الشجرة. فهي تحمل في كيانها قصة الناس الذين عاشوا حولها، الفلاحين الذين سقوها بعرقهم، والرهبان الذين مرّوا بها في مسيرهم نحو الأديرة القديمة، والأهالي الذين اعتادوا أن يلمسوا لحاءها الصلب طلبًا للبركة والخير.
وفي زمن تتحرك فيه الدنيا بسرعة، تبقى هذه الشجرة مثالًا للصحة الطبيعية؛ زيتها دواء، وورقها شفاء، وثمرها غذاء، وجذورها مدرسة في الصمود. وكل جزء منها يذكّرنا بأن علاقة الإنسان بالطبيعة ليست مجرد منفعة، بل عهدٌ روحيّ يجب أن نحافظ عليه.
إن الحفاظ على هذه الشجرة العتيقة، وعلى كل أشجار الزيتون الرومي في عجلون هو حفاظٌ على هويةٍ عمرها آلاف السنين. إنها إرثٌ يجب أن يُحترم، وثروة وطنية يجب أن تُحمى، وشريك صامت في تاريخنا يجب ألّا نسمح بزواله.
فلنعتنِ بها وبأمثالها؛ فهي لا تزال تُعطي، لا تزال تُبارك الأرض، ولا تزال تروي حكاية حياةٍ أقوى من الزمان… حكاية شجرةٍ لا تموت
الأب غريغوريوس ريحاني











