رسالة رعوية بمناسبة الاستعداد لعيد الميلاد المجيد

المجد لله في الاعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة
«حَسَنًا تَنَبَّأَ إِشَعْيَاءُ ….. هذَا الشَّعْبُ يُكْرِمُنِي بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي» (مرقس 7: 6)

أحبائي المباركين بالرب …
مع بداية مواسم الاحتفال بعيد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلادية الخلاصية ، نرى أن روح العيد الحقيقية قد تعرّضت لزخم من العادات والفعاليات التي تُلهينا عن جوهره. أصبح تركيز الكثيرين على الزينة والأنوار والاحتفالات والأسواق، والبازات والتسوق. واستُبدل معنى الميلاد العميق ورسالته السماوية بسطحيةٍ لا تمنح الفرح، بل لحظات عابرة تزول بسرعة. فالفرح الذي يعطيه العالم مؤقت، أما الفرح الذي من المسيح فهو ثابت، كما قال الرب: «سَلامِي أُعْطِيكُمْ… لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ» (يوحنا 14: 27).

نقترب من عيد الميلاد بدخولنا بصوم الميلاد الذي يجهل الكثيرون وجوده، أو يعتبره البعض غير مناسب لأن عيد الميلاد “عيد فرح”. لكن الكنيسة تعلّم أن الصوم هو الطريق السليم للاستعداد الروحي، وهو الزرع الذي يثمر فرح العيد الحقيقي. الصوم يحرّر القلب من ثقل الاستهلاك ويُنعش الروح وحل الخطيئة . وقد قال القديس باسيليوس الكبير: «الصوم يُلين القلوب القاسية ويعيد الإنسان إلى الله.»

ومع اقتراب العيد تتكاثر البازارات والحفلات والانشغالات، فنبتعد عن القداس الالهي والصلاة الفردية ونلهوا بالاجواء ، وننسى أن الميلاد لا يتحقق فرحه فينا إلا حول المذبح المقدس وفي حضرة الرب الاله .وقد قال القديس يوحنا الذهبي الفم: «لا شيء يقرّبنا من الله مثل الاشتراك في الأسرار المقدسة.» وما لم نطلب المسيح أولًا، لن نجد فرح العيد مهما ازدانت الشوارع. والبيوت والاجساد حتى «اِطْلُبُوا أَوَّلًا مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرَّهُ» (متى 6: 33).

علينا يا أخوة، أن نتذكر في هذا الزمن إخوتنا الصغار ولا ننسى انهم يعانون ضيق العيش، بينما يتبادل الكثيرون الكماليات والهدايا. العيد الحقيقي يبدأ عندما يلتفت القلب نحو المحتاج. «كُلَّمَا فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هَؤُلَاءِ الصِّغَارِ فَبِي فَعَلْتُمْ» (متى 25: 40). و أيضا يقول القديس إغناطيوس الأنطاكي: «حيث تكون الرحمة، هناك يكون الله حاضرًا.»
ايها الاحباء
من الملاحظ ان مجتمعاتنا المسيحية اليوم ان عائلاتنا تعاني من ضعف في الروابط العائلية والروحية. نكاد نفتقد إلى العائلات المتحمكة في الإيمان ( بمعنى المتنيتة او العميقة). فكثير من العائلات لا تُقيم الصلاة ولا تُدخل المسيح إلى تفاصيل حياتها، فهي على الأكيد تفقد روح الله فيها وبالتالي هي لا تتذوق معنى العيد وبهجته . لانه يقول «أَنَا وَبَيْتِي نَعْبُدُ الرَّبَّ» (يشوع 24: 15)، المغبوط أغسطينوس يقول : «حيثما يوجد المسيح في القلب، هناك يكون البيت كنيسة.»

لا ننسى أيها الأخوة انه في هذا الزمن المقدّس تزداد الحاجة إلى أعمال الرحمة التي تُعيد إلى العيد معناه الحقيقي. فالرحمة ليست عملًا ثانويًا، بل هي قلب الإنجيل، وهي اللغة التي يفهمها المسيح منا ونحن نخاطب فيها . فقد قال: «أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً» (متى 9: 13). لذلك لا يكتمل الاحتفال بالعيد دون أن نكون نحن أيضًا رحماء على من حولنا.
حيث يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: «إن لم تجد المسيح في الفقير عند باب الكنيسة، فلن تجده في الكأس على المذبح.»

فتذكروا أيضا انه يوجد إخوة لنا يفتقدون الدفء والطعام والكساء، وينتظرون يدًا تمتد إليهم. الميلاد هو الوقت المثالي الذي نتشبه فيه بالطفل الإلهي الذي جاء ليحمل ضعف الإنسان، فنحمل نحن أيضًا أحمال الآخرين. وكل رحمة نقدمها، مهما كانت صغيرة، تفتح في قلوبنا مكانًا لميلاد المسيح. قال القديس إسحق السرياني: «الرحمة هي لباس اللاهوت.»
فلنجعل من هذا العيد فرصة لنعكس رحمة الله في بيوتنا وكنائسنا ومجتمعاتنا، لأن العيد الذي لا تصل أنواره إلى المحتاجين تبقى إضأته باهتة بلا معنى.

أحبائي،
عيد الميلاد هو سرّ تنازل الله من سمائه الى ارضنا ، هو مجيء الكلمة الإلهي ليحلّ بيننا: «الْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا» (يوحنا 1: 14). تجسّد ليرفعنا، وولد في مزود ليبارك فقرنا وفقرائنا ، وصار إنسانًا لنصير آلهة بالنعمة وشركاء مجده. كما يقول القديس كيرلس الإسكندري: «تأنّس الاله لكي يؤلّهنا بالنِّعمة.»

فلنكن حذرين كي لا نسقط في فخ الزينة والبهرجة التي هي فتنة تسرقنا بعيدا عن صاحب العيد. ولنفتح بيوتنا وقلوبنا للصلاة، الصوم، واعمال الرحمة، لنحظة بالقداسة. كي يولد المسيح حقًا في كل بيت وفي كل قلب.

ليكن أيها الاحباء هذا الزمن المقدّس فرصة لنعود إلى جوهر الميلاد الذي هو المحبة، والتواضع، والسلام، والرجوع إلى حضن الله.

وبركة الطفل الإلهي يسوع المسيح تظلّل بيوتكم وحياتكم ، وتمنحكم ميلادًا جديدًا في القلب والروح. آمين
الأب الايكونوموس جراسيموس طاشمان
راعي كنيسة الصعود الالهي للروم الارثوذكس / خلدا

Reviews

84 %

User Score

7 ratings
Rate This

Sharing

Leave your comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *